الدبلوماسية والتنمية الاقتصادية- مفتاح السلام والازدهار، دروس من اليابان وكوريا

المؤلف: علي محمد الحازمي11.14.2025
الدبلوماسية والتنمية الاقتصادية- مفتاح السلام والازدهار، دروس من اليابان وكوريا

لقد أظهر لنا التاريخ بجلاء أن التدابير الدبلوماسية والحلول السياسية بمفردها قاصرة عن تسوية الخلافات والحد من التوترات، بل يجب أن تكون مصحوبة بمبادرات تنموية شاملة وخطط اقتصادية واعدة. وتشهد على ذلك وقائع تاريخية جلية، إذ يقدم لنا التاريخ مثالًا حيًا في العلاقة المضطربة التي كانت تجمع بين اليابان وكوريا الجنوبية، وكيف تحولت إلى أنموذج للتنمية الاقتصادية المستدامة. فعلى الرغم من الضغائن التي كانت تضمرها كوريا الجنوبية تجاه اليابان إبان الحقبة الاستعمارية (1910-1950)، نجحت الأخيرة ببراعة في إرساء علاقة سلمية تقوم على المصالح المتبادلة، وذلك من خلال دعم التنمية الاقتصادية لجارتها الأقل ثراءً "كوريا الجنوبية". وقد أثمر ذلك عن إقامة علاقات دبلوماسية وطيدة في ستينات القرن الماضي، وبذلك كفّرت اليابان عن القمع والاستغلال الذي مارسته بحق الشعب الكوري وموارده الطبيعية الزاخرة.

وبموجب معاهدة تطبيع العلاقات بين البلدين على الصعيدين السياسي والاقتصادي، اضطلعت اليابان بدور محوري في النهضة الاقتصادية التي شهدتها كوريا الجنوبية، لا سيما خلال النصف الأخير من القرن العشرين. فقد استثمرت اليابان بسخاء في البنية التحتية المتطورة لكوريا الجنوبية، بما في ذلك قطاعا النقل الحيوي والطاقة الضروري، مما أرسى دعائم راسخة للنمو الصناعي المتسارع. علاوة على ذلك، قدمت اليابان رأس المال اللازم للصناعات التحويلية المزدهرة في كوريا الجنوبية، فضلاً عن الاستثمار المتزايد في المنح والقروض الميسرة التي ساهمت بشكل كبير في استقرار الاقتصاد الكوري الجنوبي المتعثر.

وفي خضم هذه المؤشرات الإيجابية، بدأت الصناعات اليابانية العملاقة في إبرام عقود من الباطن مع الشركات الكورية الجنوبية الناشئة، وذلك للقيام بالمهام التي تتطلب أيدي عاملة كثيفة، والاستفادة من العمالة الرخيصة المتوفرة لديها، وبالتالي تغذية التوسع المطرد للاقتصاد الكوري الجنوبي. ومن تداعيات هذه الفكرة البناءة، وبدافع من المصلحة الذاتية بالدرجة الأولى، وافقت كوريا الجنوبية تدريجيًا على المشاركة الفعالة في تقسيم العمل والأسواق، وذلك من خلال تركيز اليابان على الصادرات المربحة ذات التقنية العالية إلى الأسواق الغربية، بينما طورت كوريا الجنوبية التقنيات المنخفضة والمتوسطة والصادرات الموجهة إلى البلدان النامية. وفي هذا السياق، أسهمت المساعدات التكنولوجية اليابانية القيمة في تطوير صناعتي الصلب وبناء السفن المتطورتين في كوريا الجنوبية، بالإضافة إلى صناعة السيارات التي لا تزال تعتمد بشكل كبير على تكنولوجيا المحركات اليابانية المبتكرة.

وفي نهاية المطاف، بات اقتصاد كوريا الجنوبية واحدًا من أقوى الاقتصادات الصاعدة في منطقة جنوب شرق آسيا. واليوم، تقوم كوريا الجنوبية بدورها بالتعاقد من الباطن مع جيرانها الأقل حظًا لتنفيذ المهام التي تتطلب أيدي عاملة كثيفة. والحقيقة الماثلة للعيان هي أن نجاحها الاقتصادي الباهر قد أحدث تأثيرًا متواصلًا وملهمًا، ليصبح مثالًا يحتذى به لدول جنوب شرق آسيا الأخرى الطامحة التي سارت على دربها في السياسة الاقتصادية الرشيدة.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة